سوالف

فراغ يسيطر على عقلك فجأة ويشلّ قدرتك على التفكير! .. حقيقة ظاهرة "الذهول الذهني"

فراغ يسيطر على عقلك فجأة ويشلّ قدرتك على التفكير! ..  حقيقة ظاهرة "الذهول الذهني"

للعلّم - في لحظات غير متوقعة، قد يشعر الإنسان وكأن عقله توقف عن العمل فجأة، فلا يستطيع التفكير أو استحضار أي فكرة، وكأن فراغًا تامًا اجتاح ذهنه. هذه الظاهرة تعرف علميًا باسم "الذهول الذهني" (Mind Blanking)، وقد أصبحت مؤخرًا محور اهتمام الباحثين في مجالي علوم الأعصاب والوعي، الذين أثبتوا أنها حالة حقيقية تتميز بخصائص فريدة، وليست مجرد لحظة شرود عابرة كما كان يُعتقد سابقًا.

خلال لحظات الذهول الذهني، لا يقتصر الأمر على صعوبة التركيز، بل يحدث انقطاع كامل في تدفق الأفكار، وغالبًا ما يصاحبه شعور بالنعاس والتراخي الجسدي. والمثير أن هذه الظاهرة قد تشغل ما بين 5% إلى 20% من وقت الفرد اليومي، مع تباين كبير في التجربة الشخصية لها؛ فبعض الأشخاص يصفونها بأنها لحظات من الفراغ التام، بينما يراها آخرون مجرد تعثر مؤقت في استحضار الأفكار.

قام فريق بحثي من بلجيكا وفرنسا وأستراليا بمراجعة شاملة للدراسات المتعلقة بالذهول الذهني، وخلص إلى أنه يجب اعتباره حالة وعي مستقلة، تختلف عن حالات أخرى كشرود الذهن رغم بعض أوجه التشابه.

وتُظهر دراسات تصوير الدماغ أن الذهول الذهني يرتبط بتغيرات ملحوظة في النشاط العصبي، خاصة في المناطق الأمامية والزمنية من الدماغ. كما تترافق هذه اللحظات بانخفاض في معدل ضربات القلب وانكماش بؤبؤ العين، إلى جانب ظهور موجات دماغية مشابهة لتلك التي تُسجَّل أثناء النوم، مما دفع بعض العلماء إلى تشبيه هذه الظاهرة بـ"النوم الموضعي"، حيث تدخل أجزاء من الدماغ في حالة نوم بينما يبدو الشخص يقظًا.

المفارقة المثيرة أن الذهول الذهني قد ينتج أحيانًا عن فرط النشاط العصبي في بعض مناطق الدماغ الخلفية، مما يؤدي إلى شلل مؤقت في العمليات الإدراكية، وهو ما يطرح تساؤلاً: هل سبب الذهول الذهني هو خمول الدماغ أم فرط نشاطه؟

وترتبط هذه الظاهرة أيضًا بالعديد من الاضطرابات النفسية والعصبية، فهي أكثر شيوعًا لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، وتُعد من أعراض اضطراب القلق العام، كما تظهر لدى بعض مرضى السكتات الدماغية وإصابات الدماغ.

وفي محاولة لفهم أعمق لهذه الحالة، يقترح الباحثون نظرية جديدة ترى أن الذهول الذهني ينتج عن تقلبات في مستويات اليقظة الفسيولوجية؛ فعندما يرتفع أو ينخفض مستوى التنبيه الدماغي عن المعدل الطبيعي، يصبح العقل أكثر عرضة للوقوع في فخ هذا الصمت الذهني.

ومع أن الكثير لا يزال مجهولًا حول المدة المثلى لهذه النوبات أو وجود أنواع مختلفة منها، إلا أن أهمية هذه الأبحاث تكمن في أنها تهز الفكرة التقليدية للوعي الإنساني كتيار مستمر من الأفكار، مما قد يفتح آفاقًا جديدة لفهم أعمق للعقل البشري وآلية عمله.