وجهات نظر

الملكُ وترامبُ .. لقاءٌ تاريخيٌّ

الملكُ وترامبُ ..  لقاءٌ تاريخيٌّ

بدأَ الملكُ عبدالله الثاني زيارتَهُ التاريخيةَ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ، والتي سيلتقي خلالها بالرئيسِ الأميركيِّ دونالد ترامب.

الزيارةُ تاريخيةٌ بكلِّ ما تحملُ الكلمةُ من معانٍ، فهي تأتي في توقيتٍ سياسيٍّ دقيقٍ وبالغِ الحساسيةِ، إذْ تتصاعدُ أدخنةُ الأزماتِ في المنطقةِ، لكنَّ الملكَ يحملُ معهُ اللاءاتِ التي يعرفُها الأردنيونَ والعالَمُ جيدًا.

صحيحٌ أنَّ المهمةَ ستكونُ صعبةً، وصحيحٌ أننا نتحدثُ عن ملفِّ التهجيرِ، بوصفِهِ الملفَّ الأخطرَ مرحليًا، لكنَّ الصحيحَ أيضًا أنَّنا كأردنيينَ، وفي المقدمةِ مِنّا الملكُ، لا نملكُ رفاهيةَ عقدِ الصفقاتِ.. وأنَّ في حقيبتِنا ورقةً تقول: لا للتهجيرِ، لا لتهجيرِ الفلسطينيينَ من غزةَ.. كما لا لتهجيرِ الفلسطينيينَ من الضفةِ.

المسألةُ بالنسبةِ لنا لا تتعلقُ بمخاطرَ ديمغرافيةٍ، بل تتعلقُ بنا – وهي بالطبعِ كذلكَ – لكنها أيضًا أكثرُ من ذلكَ، هي قضيتُنا المركزيةُ: فلسطينُ، التي لا نرى من سبيلٍ لها إلا بكلمةٍ واحدةٍ: منحُ الشعبِ الفلسطينيِّ كاملَ حقوقِهِ المشروعةِ على أرضِهِ.

في خلفيةِ المشهدِ أيضًا، لا ننسى ما قدمهُ أعضاءٌ في مجلسِ الشيوخِ والكونجرسِ من مشروعِ قانونٍ جديدٍ، سيتمُّ بموجبِهِ استبدالُ مسمى الضفةِ الغربيةِ إلى «يهودا والسامرة»، في محاولةٍ لطمسِ الهويةِ الأصليةِ وتحريفِها.

فلسطينُ ليستْ أوراقًا في ملفاتِ ترامب، فلسطينُ وطنٌ من لحمٍ ودمٍ، وتاريخُ أمةٍ ضاربةٍ في عمقِ التاريخِ، ومستقبلٌ ممتدٌّ، تريدُ أنْ تستكملَهُ مع أمتِها الكبيرةِ، وهذا بالطبعِ ما يجبُ أنْ يفهمَهُ ترامب.

الوقتُ الحاليُّ هو «أوانُ الشدِّ فاشتدي زِيَـم»، فقد أصبحَ من الضروريِّ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى أنْ نرتقيَ فوقَ الخلافاتِ الداخليةِ وأنْ نتوحدَ خلفَ القائدِ، لأنَّ القضيةَ الفلسطينيةَ ليستْ مجردَ قضيةٍ سياسيةٍ أو إقليميةٍ، بل هي قضيةُ الوجودِ والهويةِ.

نحنُ بحاجةٍ إلى توجيهِ طاقاتِنا وإمكاناتِنا نحوَ هدفٍ واحدٍ، وهو دعمُ القضيةِ الفلسطينيةِ بكلِّ الوسائلِ الممكنةِ، والوقوفُ في صفٍّ واحدٍ مع شعبِها ومؤسساتِها.

منذُ أنْ بدأَ جلالةُ الملكِ عبدالله الثاني مشوارَهُ في قيادةِ الأردنِّ، كان واضحًا تمامًا أنَّ القضيةَ الفلسطينيةَ ستكونُ في قلبِ أولوياتِهِ. لقد أسقطَ جلالتُهُ صفقةَ القرنِ بحكمةٍ وصمودٍ، وأظهرَ للعالمِ أجمع أنَّهُ لن يتنازلَ عن حقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ في إقامةِ دولتِهِ المستقلةِ على أرضِهِ.

موقفُ جلالتِهِ الثابتُ، ورفضُهُ القاطعُ لأيِّ محاولةٍ لفرضِ حلولٍ تنتقصُ من حقوقِ الفلسطينيينَ، يُثبتُ أنَّ القيادةَ الهاشميةَ كانتْ ولا تزالُ الصوتَ الأقوى في نصرةِ فلسطينَ.

لقد كانَ الملكُ عبدالله الثاني دائمًا يُصرّحُ بأنَّ «فلسطينَ في القلبِ» وأنَّ الأردنَّ سيظلُّ يقفُ في صفِّ فلسطينَ، وهو ما تجسَّدَ في موقفِهِ القويِّ ضدَّ محاولاتِ تهجيرِ الفلسطينيينَ أو تغييرِ الوضعِ القائمِ في القدسِ الشريفِ.

جلالتُهُ كانَ واضحًا في محافلِ العالمِ كافةً، من الأممِ المتحدةِ إلى الاجتماعاتِ الدوليةِ، في تأكيدِهِ على أنَّ الأردنَّ لنْ يقبلَ أبدًا بأيِّ حلولٍ غيرِ عادلةٍ تضرُّ بالفلسطينيينَ أو تتجاهلُ حقوقَهم في أرضِهم.

اليومَ، وبعدَ أنْ أصبحتِ القضيةُ الفلسطينيةُ في مفترقِ طرقٍ، باتَ من الضروريِّ أنْ نتوحدَ جميعًا خلفَ القيادةِ الهاشميةِ. يجبُ أنْ نترفعَ عن الخلافاتِ التي قدْ تضعفُ موقفَنا وتعززُ تشتتَنا، فكلُّ خلافٍ داخليٍّ، مهما كانَ حجمُهُ، يصبُّ في مصلحةِ الأعداءِ الذينَ يسعونَ إلى تقسيمِ الصفوفِ وتفتيتِ قوتِنا. وإذا كانتْ فلسطينُ بحاجةٍ إلى دعمِنا، فإنَّنا بحاجةٍ أيضًا إلى دعمِ بعضِنا بعضًا في هذهِ المرحلةِ التاريخيةِ الحساسةِ.

التفافُنا خلفَ القيادةِ الهاشميةِ هو الطريقُ الوحيدُ للحفاظِ على القضيةِ الفلسطينيةِ حيّةً ومؤثرةً في العالمِ بأسرهِ. فهذا الالتفافُ لا يتعلقُ فقط بالوطنِ، بل يتعلقُ بكلِّ أمةٍ عربيةٍ تدركُ أنَّ فلسطينَ هي قلبُ العالمِ العربيِّ وضميرُهُ الحيُّ. ومنْ دونِ وحدةِ الصفوفِ، ستضعفُ فرصُنا في التأثيرِ على الساحةِ الدوليةِ وحمايةِ حقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ.

في الختامِ، إذا كانَ هناكَ وقتٌ الآنَ يتطلبُ منا الشدّةَ والتكاتفَ فهو هذا الوقتُ. لنكنْ خلفَ جلالةِ الملكِ، الصوتَ الأقوى والأكثرَ تأثيرًا في نصرةِ فلسطينَ.

لنرفعْ شعارَ الوحدةِ والتضامنِ، لأنَّنا بتعاونِنا جميعًا يمكننا أنْ نحققَ العدالةَ لفلسطينَ وأنْ نضعَ حدًا لكلِّ محاولاتِ المساسِ بحقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ في أرضِهِ.