وجهات نظر

العملات الرقمية كاستثمار

العملات الرقمية كاستثمار

استعرض في هذا المقال تاريخ العملات الرقمية، نشأتها، تطورها وكينونتها. ألآراء التي أوردها هنا ليست دعوة للاستثمار فيها أو مناشدة للابتعاد عنها، بل هي مجموعة من المحاذير والتوصيات.

البداية

كان أول من أنتج هذه العملة الرقمية (البيتكوين Bitcoin) المدعو (ساتوشي ناكوموتو) وهو اسم مستعار لشخص كتب شيفرة العملة الرقمية في عام 2007 وسجل موقعاً الكترونياً في عام 2008 وصف فيه عملة رقمية اسماها (بيتكوين كنظام نقدي الكتروني من نظير الى نظير أو من ندٍ الى ندٍ دون وسيط) تعتمد ما أسماه سلسلة الكتل Blockchain. ثم أطلق بالتعاون مع آخرين في منتصف 2010 هذه العملة. وحتى تاريخه لا يعلم أحد بشكل مؤكد هوية ناكموتو الحقيقية، ورغم وجود عدة أسماء محتملة فلا أحد يعرف من هو بشكل مؤكد.

حين خرجت هذه العملة الى حيز الوجود في العام 2010 كان سعرها 0.008 سنت امريكي، وخلال عام بلغت قيمة البيتكوين الواحدة (8 سنت)، ثم ارتفعت الى (67 سنت) في الثلث الاول من عام 2011، لتصل في نهاية عام 2015 الى (327 دولار) للعملة الواحدة، وتقبّل التعامل بها حوالي 100 ألف شخص ومؤسسة حول العالم من المنتجين والتجار. وفي عام 2016 اعترف بها اليابان وجنوب افريقيا، وكُتبت مجموعة من البحوث حول شرعيتها، كما قام نظام سكة الحديد السويسري بتحديث أجهزة شراء التذاكر لديه ليستطيع الشخص شراء البيتكوين من خلاله.

الانتشار

بدأت البيتكوين بالانتشار الواسع في عام 2017 مع تقبل العديد لها، واستمر سعرها بالارتفاع وبمعدلات تذبذب كبيرة، وشهدت تقلبات كثيرة في السعر حيث وصل سعرها في عام 2014 الى 530 دولار، وقاربت 20 ألف دولار في 12 ديسمبر2017، ثم هبطت بعد خمسة ايام الى 13,800 ألف دولار وعادت لتهبط في فبراير 2018 الى 6200 دولار، ثم انخفض سعرها بنسبة 50% أخرى في ديسمبر 2018 ليصل الى 3300 دولار وعاد للارتفاع ليصل الى 11,000 الف دولار في يوليو 2020، واستمر بالصعود الى 28,000 الف دولار في ديسمبر 2020. وفي ديسمبر 2024 وصل سعر البيتكوين الى 106000 دولار، وهبط الأسبوع الماضي الى 88000 دولار تقريبا، ثم الى 84000 دولار البارحة.

تعدين البيتكوين

البيتكوين عملة غير معترف بها في الأردن ولا يمكن التداول بها رسميا حسب تعليمات البنك المركزي الأردني، غير أن حيازتها لا يعتبر جرماً يعاقب عليه القانون، وهنالك من اشتراها ويتعامل بها. ومن الجدير بالذكر أن من الممكن انتاج (تعدين) هذه العملة غير ان كلفة تعدينها (إيجاد حلول لألغاز حسابية باستخدام معدات رقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة) تزداد صعوبة وكلفة مع انتشارها. وكلما ازداد عدد هذه الوحدات فان كلفة تعدينها ترتفع، وتزداد رقعتها الكربونية (مما يجعلها غير صديقة للبيئة) حيث يكلف حالياً انتاج بتكوين واحدة ما يعادل الطاقة اللازمة لإنارة مدينة صغيرة ليوم واحد. وسيصل عددها كحد اقصى الى 21 مليون وحدة وهو ما كان قد أعلنه ناكوموتو حين أطلق هذه العملة. أيضا، البيتكوين ليست العملة الرقمية الوحيدة فهنالك ما يزيد عن 4000 عملة بأسماء وأسعار مختلفة.

عملة مضاربة

من الواضح ان هذه العملة هي عملة مضاربة بحتة. حيث وصفت الاقتصادية المخضرمة، والرئيسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جانيت يلين، العملات الرقمية بأنها «أصول للمضاربة» وأنها ليست مصدرًا ثابتًا للقيمة حيث تفتقر إلى أي قيمة ذاتية ولا تُعتبر عملات حقيقية، تعتمد قيمتها بالكامل على المضاربات الناتجة عن تفاعل المستثمرينؤمما يجعلها عرضة للتقلبات الحادة. وقال الملياردير وارن بافيت (وصل حجم ثروته 150 مليار دولار في عان 2024) أنها «مضاربة محضة» و"فقاعة ستنفجر في النهاية».

كما قد يجد المراقب للأحداث العالمية ارتباط البتكوين بالأزمات السياسية، وخاصة تلك التي قد تُلم بالأثرياء، فحين تتجه دولة ما الى التأميم أو معاقبة بعض الأثرياء لاتقاد حكامها بفسادهم، يزداد الطلب على العملات المشفرة بشكل واضح لتهريب ثروات هؤلاء، فيرتفع سعرها. لذا قد يرتبط الطلب عليها بالعمليات المشبوهة أو التهرب من القانون أو السلطات الحاكمة وهنالك أمثلة بيّنة في المنطقة على ذلك.

سرعة تقلب الأسعار

يلاحظ المتابع الموضوعي لأسعار البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية أنها قابلة للتقلب بنسب هائلة في غضون دقائق، مما يعني أيضاً أن أسعأرها قد تتفجر الى ما لا نهاية أو تنهار الى الصفر في لحظات، وأكثر من مرة في اليوم، لذا يتوجب على من يقتنيها أن يتابع الأسعار طوال الوقت.

هنالك عدة مشاكل في المضاربة على البيتكوين فهي عملة بلا قيمة جوهرية كما ذكرنا مما يجعلها عالية المخاطر. فهي عملة خاضعة للمضاربة الصرفة وتقلباتها كثيرة وعميقة، ولا يمكن التنبؤ بناء على المعطيات الاقتصادية بالطلب على العملة فهي ليست ناتجة عن نجاعة أو توجهات سياسة نقدية أو مالية للبلد، ولا يوجد لسعرها نقطة توازن واحدة كما هو الحال في العملات التقليدية، بل هنالك عدد لا نهائي من التوازنات غير المبنية على المؤشرات الاقتصادية التقليدية كأرقام البطالة، سعر الفائدة، التضخم، الثقة بالاقتصاد، معدلات النمو، تدفق الاستثمار، وغيرها، فيهبط ويرتفع سعرها بشكل لا نهائي.

لعبة روليت؟

لذلك فإن المتاجرة بالعملات الرقمية قريب من ممارسة لعبة الروليت، حيث يقامر الشخص من خلال تحويل ماله الى قطع بلاستيكية، يرميها على مفرش طاولة القمار لتربح أو تخسر، بناء على مجهول لا يمكن التنبؤ به، وهكذا يأتيك ما في الغيب بكل مافيه من قسوة ومرارة.

نصيحة

نصيحة لمن يرغب أن يتعامل بها ان يستخدم مالا يحتمل ان يخسره، وبمقدار لن يندم كثيراً على فقدانه، وإن كان قد غامر، فليحاول أن يعتزل وهو في الصدارة، وأن أراد أن يستمر فليتعامل معها بحذر، وأن يوازن بين ما يعتقده من مكافآت محتملة مع المخاطر الكامنة.