وجهات نظر

زيارة الرئيس السوري للأردن: خطوة استراتيجية في السياسة والأمن والاقتصاد

زيارة الرئيس السوري للأردن: خطوة استراتيجية في السياسة والأمن والاقتصاد

تأتي زيارة الرئيس السوري للأردن في توقيت بالغ الأهمية، إذ تعكس تحولات جوهرية في طبيعة العلاقات بين البلدين، التي شهدت مراحل من التوتر وعدم الاستقرار خلال السنوات الماضية. هذه الزيارة ليست مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل تمثل خطوة استراتيجية لها أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية عميقة، قد تعيد رسم خريطة المصالح المشتركة وتفتح أبواب تعاون أوسع بين دمشق وعمان.

على الصعيد السياسي، تكرّس الزيارة نهج الانفتاح العربي على سوريا، بعد سنوات من العزلة التي فرضتها ظروف الحرب والاصطفافات الإقليمية. الأردن، الذي كان دائمًا رافضًا لأي حلول تؤدي إلى تقسيم سوريا أو إضعاف الدولة السورية، يدرك أن استقرار دمشق هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة. وقد شكّلت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مؤشرًا واضحًا على التحولات الجارية في الموقف العربي، والأردن كان من بين الدول التي دفعت باتجاه إعادة تفعيل الدور السوري في الإطار العربي. من هذا المنطلق، فإن هذه الزيارة تأتي لتأكيد التزام الأردن بسوريا الموحدة، وتعزيز التعاون السياسي بما يخدم مصالح البلدين ويكرّس الأمن الإقليمي.

أمنيًا، لطالما شكلت الحدود الأردنية-السورية مصدر قلق مشترك، خصوصًا مع تصاعد عمليات التهريب التي تهدد الأمن القومي الأردني. في عهد النظام السابق، عانى الأردن من تزايد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، التي لم تكن تهدد الأردن وحده، بل امتدت تداعياتها إلى دول الخليج. ومع استعادة الدولة السورية زمام الأمور في كثير من المناطق الحدودية، أصبحت الحاجة ملحة لتنسيق أمني مباشر بين البلدين لضبط الحدود، ومواجهة هذه التهديدات الخطيرة التي تستهدف استقرار الأردن ومحيطه الإقليمي. التعاون الأمني المشترك قد يسهم في تقليل هذه المخاطر، من خلال تفعيل آليات الضبط الحدودي، وتعزيز التنسيق الاستخباراتي لمواجهة التحديات المشتركة.

اقتصاديًا، تشكل سوريا بوابة الأردن إلى الأسواق التركية والأوروبية، كما أن الأردن يمثل ممراً استراتيجياً للبضائع السورية المتجهة إلى الخليج. خلال سنوات الحرب، تراجعت حركة التجارة بين البلدين بشكل كبير، ما أثر سلبًا على قطاعي النقل والتبادل التجاري. إعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي والتجاري ستعود بالفائدة على الجانبين، حيث يمكن للأردن الاستفادة من موقعه الجغرافي كمركز لوجستي، بينما تستفيد سوريا من تسهيل حركة السلع والمنتجات عبر الأراضي الأردنية. كما أن تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، وإعادة الإعمار، والنقل، سيعزز من الروابط الاقتصادية، ويفتح فرصًا استثمارية مهمة للشركات الأردنية والسورية على حد سواء.

اجتماعيًا، العلاقة بين الشعبين الأردني والسوري أعمق من أن تختزل في الأطر الرسمية، فالعلاقات العائلية والتاريخية التي تربط بينهما تمتد لعقود طويلة، وزادت رسوخًا خلال الأزمة السورية، حيث وقف الأردن مع الشعب السوري وفتح أبوابه لأكثر من مليون لاجئ سوري على مدار 13 عامًا، مقدّمًا لهم الدعم رغم التحديات الاقتصادية التي واجهها. اليوم، ومع تحسن الظروف، فإن إعادة التواصل بين الشعبين وتعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي سيسهم في ترميم العلاقات، وتجاوز آثار الأزمة التي عصفت بالمنطقة.

في النهاية، تعكس هذه الزيارة تحوّلًا استراتيجيًا في العلاقة بين الأردن وسوريا، حيث تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون على مختلف المستويات. فالسياسة تقتضي التعامل مع الواقع ببراغماتية، والمصالح الأمنية والاقتصادية تفرض ضرورة إعادة رسم العلاقات على أسس جديدة، تحقق الأمن والاستقرار والتنمية لكلا البلدين. الأردن وسوريا جاران لا يمكن عزلهما عن بعضهما، وأي خطوة نحو التقارب بينهما ستنعكس إيجابًا على المنطقة بأكملها، مما يجعل هذه الزيارة حدثًا مفصليًا قد يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الأردنية-السورية