وجهات نظر

ترامب في مواجهة الإعلام: من سينتصر؟

ترامب في مواجهة الإعلام: من سينتصر؟

رغم أن العلاقة بين الإعلامي والسياسي قد استقرت إلى حد بعيد في الديمقراطيات العالمية، بحيث يرى كل منهما نفسه مكملا للآخر في خدمة المجتمع وقضاياه، بين صانع للحدث وبين ناقل له ومعلق عليه، تبرز علاقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المضطربة، مجددا، مع وسائل الإعلام نموذجا على عكس ما تقدم.

ها هو سيد البيت الأبيض، ومن حوله من المستشارين، يصعدون ضد بعض وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، وفي مقدمتها وكالات أسوشيتد برس وبلومبرج ورويترز، إلى حد تحديد من له الحق في الوصول إلى فعاليات البيت الأبيض. وكل ذلك لأسباب قد تتعارض مع أسس الديمقراطية التي قامت عليها الولايات المتحدة.

ومنها، مثلا، رفض وكالة أسوشيتد برس الأميركية اعتماد مصطلح "خليج أميركا" بدلا من "خليج المكسيك"، وفق مرسوم ترامب التنفيذي، ما دفع بالوكالة إلى رفع دعوى في المحكمة، لما تراه "انتهاكا للدستور، الذي يكفل حرية الصحافة، عبر محاولات فرض قيود على لغة تقاريرها الإخبارية"، ما يفتح الباب لمواجهات قانونية ذات بعدين سياسي واجتماعي متعددي الأوجه مع وسائل أخرى.
وهذا ما دفع أسوشيتد برس وبلومبرج، في بيان مشترك مع وكالة رويترز، إلى التحذير بالقول إنه "من الضروري في الديمقراطيات أن يتمكن الجمهور من الوصول إلى الأخبار المتعلقة بحكومته، من خلال صحافة حرة ومستقلة".


كان من الأجدى التوصل إلى تفاهمات بين إدارة ترامب ووسائل الإعلام مثار الجدل، ذلك أن أي محاولات لترويض الصحافة تعني ببساطة ترنح الديمقراطية ودفعها الثمن بسبب سلوك سياسي غير مسؤول في بلد تعد الحريات فيه أساس المجتمع، ومن دونها سيشهد انقسامات لا تحمد عقباها. وهذا ما دفع الصحيفة الأشهر في العالم، نيويورك تايمز، إلى الدعوة في إحدى افتتاحياتها إلى "التصدي لتكتيكات التخويف التي يعتمدها ترامب"، ومنها، على سبيل المثال، قرار وزارة الخارجية الأميركية إلغاء اشتراكات صحف ووكالات أجنبية محددة، في قرار قد يؤول على أنه تضييق على موارد وسائل الإعلام.

العلاقة المتوترة بين رؤساء الولايات المتحدة والصحافة لا تقف عند ترامب وحده، فقد عاشت وسائل الإعلام الأميركية ظروفا مشابهة، لكن أقل حدة، في سبعينيات القرن الماضي خلال فترة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الذي حشد إدارته ضد الصحافة، لكنه في النهاية رحل وأصبح تاريخا، بينما استمرت وسائل الإعلام الأميركية في تأدية دورها حتى اليوم. وهذا هو الفرق بين المتغير والثابت.
ورغم ما يخطط له ترامب وإدارته من محاولات لتقليم أظافر الإعلام الأميركي والعالمي المعارض لسياساته، فمن الأرجح ألا يستطيع التمادي في ذلك، في بلد تعد الصحافة ووسائل الإعلام فيه سلطة حقيقية يحفظ الدستور حقوقها وحريتها المسؤولة، خصوصا أن أي تنازل أو خضوع لوسائل الإعلام لترامب قد ينقل عدوى القمع الإعلامي إلى ديمقراطيات أخرى حول العالم.


ويبقى السؤال: لمن الغلبة بين إعلام أميركي وعالمي لن يساوم ضد ما يراه خنقا وخرقا للحريات، وبين إدارة أميركية ترى في نفسها المدافع عن حقوق الشعب في عصر الأخبار المضللة والتشهير من قبل وسائل الإعلام من وجهة نظرها؟